Featured Video

mercredi 16 septembre 2015

صناعة الأفراد قبل تشكيل الجمعيات

صناعة الأفراد قبل تشكيل الجمعيات )...(
    في دول العالم الثالث تنتشر جمعيات المجتمع المدني كالفطر. و الغريب في الأمر أن انتشارها الكثيف و المهول غالبا ما يأخذ منحى سلبيا سرعان ما  ينتهي ب"جعجعة بلا طحين". مرد ذلك حسب رأينا هو غياب أهم لبنات الفكر و الفعل "الجماعي"  )كصفة و إنجاز/تحقيق فعلي  و صيرورة طبيعية تتوخى الاستمرارية (و "الجمعوي" )كتعاقد  و مرجعية مؤسساتية(  و "المجتمعي" (ككلية متناسقة و كميثاق أخلاقي سامي يألف بين العمل الجماعي ألإنجازي و الجمعوي التعاقدي). و تتمثل تلك اللبنة المفقودة  في الفكر و العمل الجماعي الجمعوي المجتمعي  في انعدام و في أحسن الأحوال هزالة التكوين و البناء  و الإعداد (و التصنيع) المعرفي لدى جل الأفراد الممثلين و المنخرطين في تلك الجمعيات.
     لتجاوز أزمة غياب أو هشاشة التكوين و البناء المعرفي لدى أغلب المكونات الجمعوية لا بد من البدء بالصناعة المعرفية /الفكرية للأفراد  في إطار إستراتيجية و تصور ذو بعد  و غاية يتوخيان الإشراك و الاشتراك و التشارك المنتج  و الفعال  في  الفعل الجماعي الجمعوي المجتمعي. و لتبرير قولنا بضرورة صناعة/ بناء  الفرد قبل مباشرة التفكير و الفعل الجمعويين يمكن طرح السؤال التالي: هل يجب أن يلتئم الأفراد في الجمعيات كصفحات بيضاء  أولا (كما يقع غالبا) و بعدها يستمدون و يتعلمون مبادئ و فلسفة الفكر و العمل الجمعويين و ما قد ينتج عن ذلك من "هدر بشع للزمن الجمعوي" القاعدي و الإستراتيجي ؟ بالمقابل، ألا يؤدي الإعداد القبلي  والصناعة المعرفية للأفراد  كمشاريع مستقبلية للفكر و العمل الجمعويين إلى المباشرة الفعلية الواعدة للغاية القصوى لكل انخراط أو التئام جمعوي و المتمثلة في "العمل/الفعل"  و ما ينتج عن ذلك من نتائج آنية محفزة  و أخرى بعدية تكميلية تكاملية؟
    تموت المئات من الجمعيات قبيل و بعيد تأسيسها. كما يختفي  صخب و ركز  أو تتشوه ملامح)  و( توجهات العديد منها أياما أو شهورا على ولادتها لغياب أبيها  الشرعي و صمام أمان نجاحها  و استمراريّتها: التكوين أو البناء  أو "الصناعة المعرفية القبلية للأفراد" ! أما غالبية تلك الجمعيات "فتتنفس و تعيش موتا سريريا" بعد سنين طويلة من "السبات الجماعي" hibernation collective   لأفرادها غير المصنعين سلفا وفق صياغة و قالب جمعوي صحي لتفسح بذلك المجال لتسلل جحافل كبيرة و متسلسلة  من الحشرات اللاذعة  و العناكب الهادئة المقيمة  و الرمال الموسمية المتحركة  و اليأس المستبد  إلى مقراتها بعدما تشابهت صورتها و كل الطرق المؤدية إليها مع  صورة و طرق المقابر المهجورة الحبلى بذكريات و ألوان و شواهد الوفاة و الانقضاء .
    في ظل شيوع  و هيمنة توجه جمعوي يسبق فيه الوجود/الشكل  (التأسيس كغاية فقط) الجوهر / الماهية  (الفعل acte  و المردودية  rentabilitéو الاستمرارية continuité ) المستمد(ة) من التكوين أو الصناعة الفردية القبلية للأفراد المشكلين و المنخرطين في جمعية ما،  قد يصاب المرء بالذهول و هو يكتشف أن أغلب رؤساء و ممثلي و منخرطي تلك الجمعيات غير مؤهلين أو مصنعين لتقلد مهمة جسيمة متعلقة بالتنمية في أبعادها  الثقافية و الفكرية و الحقوقية و الفلاحية و الصناعية و التجارية و الرياضية و الاجتماعية و النفسية من أجل إقلاع وطني  مواطن,  شامل و متكامل. بمعنى آخر، ففاقد آليات (أشياء) و أفكار و تصورات "التنمية"  لا يعطي (ينتج)  التنمية و لا يفهمها و لا يبدع فيها بل يحول بوادرها إلى "تراجع" و ما ينتج عن ذلك من "هدر للزمن التنموي"  الخاص بالمجتمع  و الوطن   و ما قد يترتب عن ذلك أيضا من "هدر مضاعف للزمن" أثناء محاولة تدارك أو ترميم أعطاب و شروخ سنوات و عقود من الممارسة الجمعوية  الشكلية  العقيمة.
      انتفاء الصناعة القبلية للأفراد الحاملين لهم التنمية الجماعية  يبقي الممارسة الجمعوية في دورة هيرمينوطقية فارغة cercle herméneutique vide تعجل بحالة "تدهور" تليها بوادر  نكوص و ردّة و سلبية و "إنورشيا" حتمية/قدرية inertie déterministe/fataliste . فصناعة الأفراد و تكوينهم القبلي  يسلحهم ب "المرجعية /المرجعيات" الضرورية و التي تعتبر مفتاحا و  إكسيرا لا محيد عنه لنجاح و مردودية و استمرارية الفكر و العمل الجمعويين.  أما غياب صناعة الأفراد (كفعل جوهري و حتمي/محدد) قبل تأسيس الجمعيات (كفعل شكلي و وجودي/تحقيقي) يؤدي إلى حالة "لا مرجعية"  يسودها التخبط و العشوائية و التردد و الاستهلاكية و التآكل و العبثية... عكس حالة المرجعية  المستمدة أساسا من الصناعة القبلية للأفراد (كمشاريع جمعوية مستقبلية) و التي تتيح تنوع و تعدد الرؤى و الابتكار و التنافسية الإيجابية المبدعة  و الغنى الفكري  و الثقافي و العملي التخصصي التكاملي و الانفتاح و التسامح  و التفاعل و الفاعلية و الموسوعية و  التأقلمية adaptabilité  و الاستمرارية و الإنتاجية و التصور الإستراتيجي البعيد المدى   في إطار و في خدمة مرجعية  تنموية جماعية جمعوية مجتمعية صلبة ، شاملة و متكاملة…
     حال الجمعيات التنموية في دول العالم الثالث  لا يختلف عن حال مؤسسات أخرى عديدة خلقت لحمل "هم" و "رهان التنمية" على  أصعدة متنوعة  كالبلديات و الجماعات القروية و الأحزاب السياسية و الهيئات الاقتصادية و النقابية و الاجتماعية و التعاونيات الحرفية و الوداديات العقارية و المقاولات بكل تخصصاتها. و يبقى تحدي "الصناعة القبلية للأفراد" وفق "تصور مستقبلي إستراتيجي منهجي و تفاؤلي" مفتاحا حتميا لخلاصها  من العشوائية التدبيرية و العقم البيروقراطي و التذبذب التقريري  و المحدودية الإنتاجية و العوز التصوراتي و الفقر التخطيطي و الهشاشة الفكرية و المعرفية و العناد الإستشاراتي. و مثل هذا التحدي لن تتم مجابهته و تطويعه دون نشر و تحقيق ثقافة "القراءة أولا "la lecture d’abord  مع سبق إصرار على ترصد المعرفة في كل الفضاءات (مقاهي، شوارع، مقرات العمل، بيوت،مساجد، محلات تجارية، حدائق عمومية، فنادق...) و في كل المناسبات و الفرص و الأوقات (عطل، أعياد مدرسية و دينية و وطنية و أسفار و استراحة) علاوة على أهمية نشر "دور محاربة الجهل".
     يضاف إلى ذلك، ضرورة استغلال و الاستثمار  في المؤسسات التعليمية و الأكاديمية الرسمية  الموجودة أصلا  و المطالبة بإنشاء المزيد منها مع مراعاة "العدالة المجالية"  و "النوعية" و "الجهوية" من حيث طريقة و معايير توزيعها  و كذلك عن طريق إنشاء مؤسسات  و معاهد تكوين  "غير رسمية"  موازية و مكتبات و خزانات كتب  غايتها  تأهيل و  تكوين جميع أفراد المجتمع دون استثناء أو انتظار الحاجة الطارئة إليهم مادام بناء الوطن ورشا كبيرا يحتاج  إلى كل فرد من أفراده "قبل الولادة" (قبل الصناعة و التكوين) و في كل وقت و حين "بعد الولادة" (بعد الصناعة و التكوين)  خدمة لحاضره الحاسم و مستقبله  المرهون بالتدابير العلاجية و الوقائية  المتخذة في الحاضر و صيانة لماضيه المشرق!

حمزة الشافعي
أفانور/ تنغير

11/10/2014

0 commentaires:

إضغط هنا لإضافة تعليق

Enregistrer un commentaire

Blogger Widgets